وصمة العار.. تعرف على آثارها وأفضل الطرق التعامل معها!
على الرغم من كلّ ما يشهده عصرنا من تقدّم وتطوّر على صعيد العدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من كلّ الجهود الحثيثة التي تُبذل في سبيل تحقيق المساواة وتشجيع تقبّل الآخر، إلاّ أننا لازلنا مع ذلك نرى في مجتمعاتنا العديد من التصرّفات المُهدِّدة أو غير المريحة إزاء الأمراض النفسية.
حيث تؤدي مثل هذه التصرّفات إلى تشكيل وصمة عارٍ وخلق العنصرية تجاه أولئك الذين يعانون من هذه الأمراض.
تظهر مثل هذه التصرّفات المؤذية على وجه الخصوص عندما يمتلك الأشخاص ما يكفي من الشجاعة للاعتراف بأنهم مصابون باضطرابات نفسية، لكنّ شجاعتهم هذه تنقلب للأسف ضدّهم في كثير من الأحيان، فيتعرّضون للسخرية أو الإقصاء، سواءً من الحلقات الاجتماعية أو أماكن عملهم.
لقد أدّت جميع هذه العوامل إلى خلق ما يعرف بـ “وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي” أو ما يعرف بالإنجليزية “Mental Health Stigma”.
اقرأ أيضاً: مفهوم الغيرة.. لماذا نشعر بالغيرة في العلاقات العاطفية؟
فما هي هذه الوصمة؟ ما آثارها؟ وكيف يمكنك التعامل معها سواءً كنت أنت الشخص المصاب أو أحدًا من عائلتك أو أصدقائك؟
ما هي وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي؟
تنقسم وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي أو الـ Mental Health Stigma إلى قسمين رئيسيين:
وصمة العار الاجتماعية
ويقصد بها جميع السلوكيات المتحيّزة والتصرّفات العنصرية الموجّهة ضدّ الأشخاص الذين يعانون من المشاكل النفسية أيًّا كانت درجتها أو نوعها.
وصمة العار الشخصية
وهي ما يشعر به الشخص المصاب الذي يعاني من اضطرابات نفسية اتجاه مرضه أو مشكلته النفسية، حيث تؤثر هذه الوصمة بشكل كبير على مشاعر الشخص من حرج وخوف، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع النتائج المرجوّة من العلاج.
ما هي آثار وصمة العار للمرض النفسي؟
سواءً كانت وصمة العار هذه شخصية من المصاب نفسه أو اجتماعية من الآخرين حوله، فهي في كلتا الحالتين تعود بنتائج سلبية للغاية على الشخص المصاب، نذكر منها ما يلي:
· العزوف عن البحث عن علاج والالتزام به.
· انعدام التفهّم من قبل أفراد العائلة، الأصدقاء، أو الزملاء في العمل.
· تراجع الفرص المتاحة للشخص المصاب، سواءً كانت فرص عمل أو دراسة أو فرص المشاركة في النشاطات الاجتماعية أو حتى فرصة الحصول على سكن مناسب.
· التعرّض للتنمر، العنف الجسدي أو المضايقات والإزعاج.
· الصعوبات المادية نظرًا لأن أغلب برامج التأمين لا تغطّي علاج الأمراض النفسية.
· فقدان الثقة والأمل في أن تتحسّن الأمور أو في أن يتمكّن الشخص المصاب نفسه من التعافي والتغلّب على مختلف التحديّات التي تواجهه.
اقرأ أيضاً: أنواع الشخصيات لدى الإنسان!
ما مدى انتشار الأمراض النفسية في العالم؟
هل سبق لك أن أصبت بالأرق؟ أو عانيت من مشاكل تتعلّق بمدى ثقتك بنفسك أو تقديرك لذاتك؟ هل شعرت خلال فترة ما بالضغط والتوتر الشديد واستمرّت حالتك لعدّة أيام أو أسابيع؟
على الرغم من أنّها تبدو مجرّد حالات عارضة، إلاّ أنّ كلّ ما سبقَ يُصنّف تحت أنواع الأمراض والاضطرابات النفسية. وفي حال استمرّت أيّ من الأعراض السابقة لعدّة أسابيع فقد تتفاقم لتتحوّل إلى أمراض أشدّ خطورة.
وهكذا نرى أنّ الاضطرابات النفسية في الواقع أكثر انتشارًا مما نتخيّل، إذ بحسب إحصائيات موقع Our World in Data، فيما يتعلّق بالصحة الذهنية لعام 2017، نجد أنّ واحدًا من بين كلّ سبعة أشخاص في العالم يعاني من مشاكل نفسية، أيّ ما لا يقلّ عن مليار شخص تمّ تشخيص إصابتهم بمرض نفسي في تلك السنة.
كيف تتعامل مع وصمة العار للمرض النفسي؟
عند التطرّق للحديث عن ظاهرة الـ Mental Health Stigma، وكيفية التعامل معها لابدّ لنا من الحديث عن جانبين مهمّين، أوّلهما، كيفية تعامل الشخص المصاب نفسه مع ظاهرة وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي.
وثانيهما، كيفية تعامل بقية المجتمع من الأفراد الأصحاء مع هذه الظاهرة.
التعامل مع ظاهرة Mental Health Stigma كشخص مصاب:
1- احصل على العلاج
قد تحجم عن الاعتراف أنّك بحاجة إلى العلاج، خوفًا من أن يتمّ وصفك بالمريض العقلي أو المجنون.
لا تدع هذه المخاوف تسيطر عليك وتحول بينك وبين طلب المساعدة، الحصول على العلاج في الوقت المناسب يضمن لك تشخيص حالتك وفهمها بشكل أفضل، وبالتالي تحديد سبل العلاج، الأمر الذي يقلّل من تبعات المرض الذي تعاني منه ومن تداخلاته في حياتك المهنية والشخصية.
أقرأ أيضاً: هل التخاطر الذهني حقيقة أم وهم؟
2- لا تسمح لوصمة العرض أن تفقدك الثقة بالنفس
قد لا تأتي وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي من الآخرين وحسب، فربما أنت نفسك تؤمن بأنّ هذا الاضطراب النفسي الذي تعاني منه هو نقطة ضعف في شخصيّتك، أو ينتابك شعور بالخجل والحرج منه يحول بينك وبين طلب العون.
ليس هذا وحسب، فقد تبدأ بجلد ذاتك والتقليل من قيمتها الأمر الذي سيزيد حالتك سوءًا، تذكّر دومًا أن الاضطراب النفسي مهما كانت درجته ونوعه، هو كأيّ مرض جسدي آخر، يُشفى ويختفي مع العلاج.
3- لا تعزل نفسك عن الآخرين
إن كنت تعاني من إحدى الاضطرابات النفسية، فقد تميل إلى العزلة والابتعاد عن أصدقائك وعائلتك، بل قد تجد أنّه من الأفضل ألاّ تخبرهم شيئًا عن حالتك، لكن تصرّفك هذا ليس صحيحًا تمامًا فمثل هؤلاء الأشخاص قد يكونون مصدر دعم معنوي مفيد للغاية. ليس عليك أن تنشر خبر إصابتك بمرض نفسي في كلّ الجرائد اليومية بالطبع! لكن احرص على إخبار عدد من الأشخاص المقرّبين منك ممّن تثق بهم حتى يقدّموا لك الدعم اللازم عند الحاجة.
4- لا تساوي نفسك بمرضك
أحسن استخدام الكلمات للتعبير عن مرضك أو الاضطراب النفسي الذي تعاني منه، ولا تساوي نفسك بالمرض الذي تعاني منه، بدلاً من القول: “أنا مكتئب”، استخدم جملة: “أنا أعاني من الاكتئاب”. تذكّر أنت لست مرضك، وإنما أنت تعاني من أعراض أو اضطراب منفصل تمامًا عنك، ويمكن أن يختفي مع العلاج.
5- انضمّ إلى جماعات دعم
هنالك العديد من المراكز والجماعات المحلية أو الدولية التي تقدّم برامج دعم للمصابين بالأمراض والاضطرابات النفسية.
اقرأ أيضاً: يبتسم الطفل 400 مرة في اليوم.. ماذا يحدث في الدماغ عندما نبتسم؟
اختر من هذه المراكز ما تراه مناسبًا لك، واحرص على زيارتها بشكل دوري وحضور الاجتماعات أو الفعاليات التي تعقدها، سواءً للتثقيف حول حالتك المرضية أو لتقديم المشورة أو للتعرف على أشخاص آخرين يعانون من مشكلات مماثلة.
6- احصل على المساعدة في مدرستك أو مؤسستك
في حال كنت طالبًا في مدرسة أو جامعة وتعاني من اضطرابات نفسية تؤثر على عملية التعلّم لديك، حاول في هذه الحالة الاطلاع على البرامج المطروحة في مؤسستك التعليمية التي تدعم مرضك هذا.
ليس هذا وحسب، تذكّر أنّ التمييز ضدّ الطلاب المصابين باضطرابات نفسية مخالف للقانون، والمدرّسون مطالبون بدعم هؤلاء الطلاّب دعمًا تامًّا. لذا احرص على إخبار أساتذتك بحالتك، فجهلهم بها قد يؤدي إلى إساءة معاملتك أو القيام بتصرّفات فيها شيء من التمييز.
التعامل مع ظاهرة الـ Mental Health Stigma لدعم المصابين:
1- كن منفتحاً على مواضيع الصحة الذهنية
حتى لو كنت بعملك هذا تساعد شخصًا واحدًا فقط، فذلك يكفي. احرص على التحدّث عن الصحّة النفسية وأهميتها وضرورتها سواءً كنت في اجتماع مع أصدقائك وأقاربك، أو من خلال مقال تنشره على مدوّنتك الخاصة أو صورة أو فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي. حاول أن تنشر هذا المفهوم لأكبر عدد ممكن من الأشخاص.
2- ثقّف نفسك حول الصحة الذهنية
استغلّ كلّ فرصة ممكنة لتثقّف نفسك والآخرين حول الصحة الذهنية والاضطرابات النفسية، في كلّ مرة تسمع فيها حديثًا عن هذا الموضوع أو تعليقًا سلبيًا حول المرضى النفسيين، اسعَ لأن تفهم وجهة نظر المتحدّث ومن ثمّ ناقشه بعقلانية ووضّح له أثر كلامه في زيادة انتشار ظاهرة وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي.
3- انتبه لكلامك
كثيرون من يستخدمون الأمراض النفسية المختلفة، كشتائم يطلقونها على الآخرين إمّا على سبيل المزاح أو بشكل جدّي. لا شكّ أنّك في يوم ما أطلقت على صديقك صفة المفصوم أو المجنون أو المتخلّف عقليًا.
انتبه من الآن فصاعدًا إلى كلماتك، فمثل هذه العبارات جارحة لأولئك المصابين حقًا بهذه الأمراض، وتسهم في زيادة معاناتهم وشعورهم بالعار والحرج من أمراضهم.
اقرأ أيضاً: تعرف على أنماط الأمزجة الأربعة لدى الإنسان!
4- فكّر في الاضطرابات النفسية كما تفكّر في الأمراض الجسدية
هل سمعت يومًا شخصًا يستهزأ بمرض السرطان، أو السكّري أو ارتفاع ضغط الدّم؟ بل هل امتلكت أنت الجرأة في يوم ما على فعل ذلك؟ إن لم تكن قد فعلت، فلماذا إذن تستخفّ وتستهزأ بالاضطرابات النفسية على الرغم من أنّها حالات مرضية مماثلة للأمراض الجسدية ولا تقلّ عنها جديّة وخطورة.
5- تعاطف مع أولئك المصابين باضطرابات نفسية
قد يبدو لك الاستماع إلى شخص مصاب بالاكتئاب، وهو يحدّثك عن قصته أمرًا بسيطًا للغاية، لكنه مع ذلك يعني لهذا المريض الكثير.
احرص دومًا على أن تتعاطف مع أولئك الذين يعانون من الاضطرابات والأمراض النفسية مهما كانت بسيطة، ولا تُظهر تعاطفك هذا على أنّه شفقة وحزن عليهم، بل كن داعمًا لهم مستعدًّا للاستماع إلى قصصهم ومشاعرهم، لأن أثر ذلك على نفوسهم بل وحتى على تماثلهم للشفاء لا يصدّق.
6- حارب ظاهرة الـ Mental Health Stigma
لا تتردّد في أن تعبر عن رأيك حول ظاهرة وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي، عبّر عن رفضك ومحاربتك لها خلال الاجتماعات والفعاليات المختلفة، فمثل هذا الأمر قد يساعد الآخرين ممن لا يمتلكون الشجاعة الكافية على أن يفعلوا الشيء ذاته، بل قد يساعد المصابين أنفسهم على تقبّل إصابتهم بالمرض النفسي واتخاذ القرار بالحصول على العلاج المناسب.
في النهاية، لابدّ لنا التنويه إلى أنّ الأحكام التي نطلقها على الآخرين نابعة في غالب الأحيان من جهلنا بالحقائق أو قلّة فهمنا لظاهرة أو موقف معيّن.
اقرأ أيضاً: ماهو الفرق بين الحب والجنس؟
لذا سواءً كنت أنت الشخص المصاب الذي يعاني من وصمة العار المرتبطة بالمرض النفسي، أو كنت تتعامل مع أشخاص مصابين بأمراض نفسية ويعانون من هذه الظاهرة، احرص دومًا على أن تثقّف نفسك وتعرف المزيد عن هذا الأمر، فكلّما عرفت ساهم ذلك في تحقيق نتائج إيجابية عليك أو على مجتمعك.