تاريخثقافة عامة

عندما أنقذ العثمانيون “طرابلس الليبية” من فرسان القديس يوحنا

عام 1515م استولى الإسبان في عهد شارل الخامس على طرابلس الليبية، لتكون أحد الجيوش الصليبية التي اتخذتها إسبانيا على طول ساحل شمال إفريقيا، وتصبح تحت الهيمنة الصليبية حوالي عشرين عاما.

رأى إمبراطور إسبانيا أن يكلف فرسان القديس يوحنا بمواجهة الإسلام في طرابلس، وكانوا قد انتقلوا إلى جزيرة مالطة بعد أن استولى السلطان سليمان القانوني على جزيرة رودس التي كانوا يقيمون فيها، وأصبحوا يمثلون خطرًا على السفن الإسلامية في المتوسط، حيث كانوا يتتبعون هذه السفن والاستيلاء على حمولاتها واعتقال ركابها.

وبدخول عام 1535م، حكم فرسان القديس يوحنا طرابلس نيابة عن شارل الخامس والذي أراد أن يتفرغ لشن حملاته الصليبية على الجزائر وتونس، إضافة لمواجهة حركة مارتن لوثر في ألمانيا.

اقرأ أيضاً: هل عزلت الدولة العثمانية العرب عن أوروبا؟

اتخذ فرسان القديس يوحنا من طرابلس قاعدة لضرب الوجود البحري الإسلامي، وأقاموا فيها حكومة مسيحية متطرفة تسعى لتغيير وجه الحياة الإسلامي بالمدينة، ورغم أن سكان المدينة قاوموا ذلك الاحتلال، إلا أن ضعف إمكاناتهم وخبراتهم القتالية قد حال دون نجاح مقاومتهم.

كانت تجربة أهل الجزائر ماثلة أمامهم، حيث سبق لهم توجيه رسالة استغاثة إلى الدولة العثمانية ضد الخطر الإسباني بإيحاء من زعيمهم خير الدين بربروس، فتبنى السلطان العثماني جهادهم ضد الإسبان.

وأراد أهل طرابلس أن يقوموا بالتجربة نفسها، فأرسلوا إلى السلطان سليمان القانوني يستغيثون به من خطر فرسان القديس يوحنا.

https://youtu.be/6wrzaNG9_EY

أرسل أهل طرابلس إلى سليمان القانوني من أجل التدخل العسكري، وأعلنوا ولاءهم للدولة العثمانية طواعية، وما إن وصلت الرسالة للسلطان حتى أرسل “مراد أغا” بقوة صغيرة عجزت عن تحرير طرابلس، ما دفع القائد لطلب المدد من السلطان.

اقرأ أيضاً: كيف تأثرت الدولة العثمانية باللغة العربية؟

وفي هذه الأثناء حرص القائد على إقامة التحصينات العسكرية، فلما وصلت رسالته إلى السلطان أمر سنان باشا الصدر الأعظم بالتوجه إلى المدينة على رأس الأسطول، فتمكن من تحريرها بمعونة تورغوت باشا أو تورغوت رئيس، الأمير البحري العثماني.

بعد أن تم تحرير طرابلس، تولى مراد أغا ولايتها، ليكون أول الولاة العثمانيين عليها، ثم تولى هذا المنصب تورغوت باشا، والذي تعقب فلول القديس يوحنا، واستصدر من السلطان أمرًا بإرسال فيالق من الانكشارية لتعزيز الحامية العثمانية ضد الأخطار الصليبية.

وبداية من عام 1551م أصبحت طرابلس تحت السيادة العثمانية، وانصهر الجنود مع أهاليها وتصاهروا وانخرطوا في المجتمع الطرابلسي.

وفي عام 1711م، أعلن أحد الإنكشارية – وهو أحمد القرمانلي – نفسه حاكما على طرابلس بعد أن ثار أهل المدينة ضد واليها خليل باشا بسبب ضياع سفينتين في البحر الأدرياتي، فاستغل القرمانلي غيابه وأعلن نفسه حاكما.

اقرأ أيضاً: تعرف على قصة أبرز أعلام التصوف في الدين الإسلامي!

واضطر السلطان أحمد الثالث إلى تعيين أحمد القرمانلي واليا بصفة رسمية وجعل حكم طرابلس بيد سلالته، فظلت أسرة القرمانلي تحكم طرابلس حتى 1835م، لتعود إلى حكم العثمانيين بصورة مباشرة وحتى الاجتياح الإيطالي لليبيا عام 1911م.

هذه الأحداث لها دلالات هامة، منها:

أولاً: هي أبلغ رد على من قال إن الوجود العثماني في البلاد العربية كان احتلالا، حيث أن أهل طرابلس هم من أعلنوا ولاءهم للدولة العثمانية مستنجدين بالسلطان العثماني من الاحتلال الإسباني وسيطرة فرسان القديس يوحنا على المدينة، وهو ما حدث من قبل الجزائريين عندما استنجدوا بالدولة العثمانية ضد الخطر الإسباني أيضا.

ثانيًا: استنجاد أهل طرابلس بالدولة العثمانية والمسارعة الفورية من الدولة لنجدتهم، دليل دامغ على سيادة الشعور بأمة الجسد الواحد والراية الإسلامية الجامعة لكل من العثمانيين والعرب.

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن المغول؟

ثالثا: ثورة أهل طرابلس على الوالي خليل باشا بسبب ضياع سفينتين في البحر الأدرياتي واستيلاء فرسان القديس يوحنا عليهما وحرقهما، يكشف مساحة الحرية وتمتع الشخصية العربية في المدينة بالاستقلالية والقدرة على التعبير عن السخط الجماهيري، بما يدل على أن العثمانيين لم يحكموها بالقمع والعسف.

شاهد أيضاً: اللغة العربية في قلب الدولة العثمانية 

المصدر: إحسان الفقيه / الأناضول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

نحن نقوم بلربح من الاعلانات يرجى ازالة مانع الاعلانات واعادة تحميل الصفحة