خمس طرق تجارية شكلت تاريخ العالم.. بعضها ساهم في انتشار الإسلام بإفريقيا وشرق آسيا
يعد التبادل التجاري أحد أهم الأنشطة التي قام بها البشر على مدار التاريخ، وقد تطورت التجارة لأن الأفراد لم يكن لديهم جميع المنتجات التي تلبي احتياجاتهم، ولأن بعض المنتجات كانت متوافرة في أماكن معينة دون غيرها، فكانت هناك حاجة لإنشاء طرق لنقل البضائع إلى الأماكن التي لا تتوافر بها.
مرت “الطرق التجارية” عبر مناطق جغرافية عديدة مثل المحيطات والصحاري، واعتمدت الطرق التي كانت تمر بالصحراء على الواحات بشكل كبير لإمداد التجار بالمياه.
وقد شهدت المناطق التي كانت تمر هذه الطرق عبرها تطورًا كبيرًا، حيث تم تشييد مدن لتكون بمثابة مكان يستريح فيها التجار.
اقرأ أيضاً: القصر الأكثر رعبا وغموضا في مصر
وكانت “الطرق التجارية” مصدراً للتبادل الفكري والثقافي بين الشعوب المختلفة، وساهم معظمها في انتشار الأديان والفنون والمعرفة في أجزاء مختلفة من العالم، تعرفوا معنا على أهم الطرق التجارية التي عرفها التاريخ:
طريق الحرير
يعتبر طريق الحرير أشهر الطرق التجارية القديمة، وقد كانت الصين ترسل الحرير من خلاله إلى الإمبراطورية الرومانية في القرن الأول الميلادي، وتستقبل الصوف والفضة والذهب من أوروبا.
كان هذا الطريق أحد أكثر الطرق التجارية أهمية، حيث ربط بين الشرق والغرب، وكان يمر عبر البر من خلال مجموعة من الطرق المترابطة، كما كان يمر عبر عدة مسطحات مائية مثل المحيط الهندي والخليج العربي.
يبدأ طريق الحرير من مدينة شيان الصينية، ليمتد إلى جانب سور الصين العظيم قبل عبور جبال بامير إلى أفغانستان ثم بلاد الشام، حيث تُحمَّل البضائع إلى السفن المتجهة إلى موانئ البحر المتوسط.
وكان من النادر أن يسافر التجار مسافة 4000 ميل (6437 كيلومتراً) كاملة؛ لذلك لجأ معظمهم إلى الاكتفاء بإجراء المعاملات التجارية في أجزاء من الطريق الطويل.
اقرأ أيضاً: تعرف على أصغر رئيس فرنسي في تاريخ البلاد!
بقي طريق الحرير أبرز الطرق التجارية على الإطلاق حتى القرن الرابع الميلادي، إذ انهارت الإمبراطورية الرومانية آنذاك ولم يعد الطريق آمناً، وبقي محيداً منذ ذلك الوقت حتى أعيد استخدامه كسابق عهده في القرن الثالث عشر تحت حكم المغول.
واتبع المستكشف الإيطالي ماركو بولو طريق الحرير خلال القرن الثالث عشر، ليصبح من أوائل الأوروبيين الذين زاروا الصين.
لكن إضافة إلى تبادل البضائع التجارية والفنون والأفكار على طول هذا الطريق لشهير، يعتقد بعض العلماء أنَّ التجار المسافرين ساهموا أيضاً بنشر بكتيريا الطاعون التي تسببت لاحقاً بوباء الموت الأسود في أوروبا.
طريق البخور
كانت البخور إحدى أغلى السلع في العالم القديم، وكان طريق البخور هامًا جدًا لأنه ربط المناطق التي تنتج كميات كبيرة من البخور بالمناطق التي تستهلك كميات كبيرة منه.
استأنس العرب الجمال قبل حوالي 1000 عام من ميلاد المسيح، مما مكنهم من البدء في نقل بخورهم الثمين إلى البحر المتوسط، أهم بقعة تجارية في هذا الوقت.
اقرأ أيضاً: تعرف على أصل الشركس؟
وإلى جانب البخور كانت سلع أخرى تُنقل عبر هذا الطريق مثل التوابل واللؤلؤ، وكانت مدينة الجرعاء التي أسسها البابليون نقطة تجارية هامة على طول الطريق.
كما ازدهر اليمن أيضًا بفضل هذا الطريق من خلال تجارة اللبان والمُرّ والقهوة، وساعد ترويض الجمال في تطوير طريق الحرير.
وازدهرت هذه التجارة لدرجة أن الطريق البري قد شهد في ذروته نقل حوالي 300 طن من البخور على طول الطريق خلال عام واحد كما يقال.
ويرجع سبب تراجع استخدام هذا الطريق إلى عدة عوامل من بينها سقوط الموانئ التجارية الأساسية مثل الإسكندرية، وتطوير طريق تجاري أكثر كفاءة عبر البحر.
وكتب المؤرخ الروماني بلينيوس الأكبر أن تعبيد هذا الطريق استغرق 62 يوماً، وقد تحول الطريق عن مساره الفعلي لاحقاً بسبب جشع القبائل التي استوطنت على طول الطريق وطالبت بضرائب مرتفعة من القوافل العابرة.
إذ يمكن حرق هذه الكتل الصلبة من الصمغ لاستخدامها بشكل بخور أو عطر، وكانت شائعة الاستخدام أيضاً في طقوس الدفن للمساعدة في التحنيط.
اقرأ أيضاً: شارع الاستقلال في تقسيم
وأصبح اللبان البدوي والمَر من السلع المهمة للرومان، واليونانيين، والمصريين، وقيل إن الإمبراطور الروماني نيرو أحرق محصول عام كامل من اللبان البدوي في جنازة محبوبته.
وبحلول القرن الأول الميلادي، أصبح هذا الطريق البري القديم غير مستخدم إلى حد كبير، لأن تحسين تصميم القوارب جعل المسارات والطرق البحرية أكثر جاذبية.
طريق العنبر
يعتبر أقدم طريق شكل طريق العنبر يقع في أوروبا الوسطى، والذي كان يربط بين ساحل بحر البلطيق وساحل البحر الأدرياتيكي.
كان طريق العنبر يمر عبر أراضي العديد من الدول الحديثة مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا، وقد تسبب فرسان تيوتون في تراجع شعبية هذا الطريق، حيث قتلوا كل من حاول جمع أو بيع العنبر.
وكان العنبر إحدى السلع الأساسية التي يتم تبادلها في العصور القديمة، إذ كان يدخل في الاستخدامات الجمالية والطبية، وكان يتم جلبه من المناطق الغنية به ليتم نقله إلى مناطق ذات قاعدة كبيرة من العملاء مثل الشرق الأوسط.
طريق الخيول والشاي (تشاماداو)
كان طريق الخيول والشاي القديم مكونًا من مجموعة من المسارات التي تشق القوافل طريقها من خلالها عبر الجبال الواقعة في الصين والتبت في الوقت الحاضر.
ويمتد هذا الطريق القديم لأكثر من 9500 كيلومتر، عبر جبال هينغدوان، أكبر مناطق إنتاج الشاي في الصين، إلى التبت والهند.
اقرأ أيضاً: المكانة الحضارية لبلاد الشام
شملت المناطق التي مر الطريق عبرها سيتشوان ويونان في الصين، وهما منطقتان يعتقد المؤرخون أنهما أولى المناطق التي قامت بزراعة الشاي في العالم.
ويعبر الطريق أيضاً العديد من الأنهار، ما يجعله من أخطر طرق التجارة القديمة.
اعتمدت التجارة عبر هذا الطريق بشكل كبير على الخيول والبغال، وكان التجار يتبادلون خيول من التبت بالشاي الصيني الذي حصل الطريق على اسمه المميز منه.
كان الطريق يربط بشكل أساسي بين المناطق التي يُزرع بها الشاي والمناطق التي تستهلكه والتي تفتقر إلى المناخ المناسب لزراعته، وكان الملح أيضًا من أكثر السلع تداولاً عبره.
كانت السلع الرئيسية التي تُنقل عبر هذا الطريق هي الشاي الصيني وخيول الحروب التبتية، وكان الهدف الرئيسي للتجارة الذين يسلكون هذا الطريق هو مبادلة الشاي بالخيول، أو العكس.
اقرأ أيضاً: حضارات بلاد الشام
كانت أجزاء من هذا الطريق تستخدم منذ عام 1600 قبل الميلاد، ولكنهم بدأوا استخدام مسار الطريق بالكامل منذ حوالي القرن السابع الميلادي، وبدأت التجارة عبر الطريق تتوسع بشكل كبير بدايةً من عهد أسرة سونغ (960-1297م).
ولكن خلال الحرب العالمية الثانية، اكتسب الطريق أهمية جديدة بعدما أغلق اليابانيون العديد من الموانئ البحرية، وأصبح طريق الشاي والخيول هو الطريق الرئيسي لنقل الإمدادات بين الصين والهند.
الطريق التجاري عبر الصحراء الكبرى
ظهرت تلك الطرق التجارية لأول مرة في القرن الرابع الميلادي. وبحلول القرن الحادي عشر الميلادي، أصبحت القوافل التي تنقل البضائع عبر الصحراء تتكون من أكثر من ألف جمل.
وكان يعد من أكثر الطرق التجارية أهمية في أفريقيا، حيث كان يربط بين مناطق مختلفة في الصحراء، وكانت الجمال وسيلة النقل الأساسية عبر الطريق.
اقرأ أيضاً: تعتبر من أعقد المناطق الحدودية في العالم
يتألف طريق التجارة عبر الصحراء الكبرى، الممتد من شمال إفريقيا إلى غرب إفريقيا، من عدة طرق، أنشأت عدة مسارات تجارية متقاطعة عبر الصحراء الشاسعة.
كما تم تداول منتجات فاخرة عبره أيضًا مثل ريش النعام، بالإضافة إلى حصول المجتمعات الأفريقية من خلاله على البنادق التي استخدموها لتقوية ممالكهم.
وكانت البضائع المنقولة تشمل كل شيء تقريباً، من الذهب والعبيد والملح والأقمشة إلى أشياء أخرى مثل ريش النعام والأسلحة الأوروبية.
ساهمت تلك الطرق في انتشار الإسلام من قبائل الأمازيغ في شمال إفريقيا إلى غرب إفريقيا، ومع الإسلام انتشرت اللغة العربية.
كما شجع طريق التجارة عبر الصحراء الكبرى على تطوير الأنظمة النقدية وبناء الدول، إذ رأى الحكام المحليون القيمة الإستراتيجية لضم مساحات شاسعة من الأراضي، وسلعها بالتبعية، تحت سيطرتهم.
اقرأ أيضاً: مالا تعرفه عن رجب طيب أردوغان!
شاهد أيضاً: اللغة العربية في قلب الدولة العثمانية